
بعد أيام قليلة من وصولنا إلى متشغن في الولايات المتحدة الأمريكية، وصلت ورقة ال I-20 الخاصة بي من خلال ال DHL
لذا فقد قررنا الذهاب في اليوم التالي إلى إدارة الهجرة الأمريكية في ديترويت (تبعد ساعتين تقريباً عن منطقتي) لأصحح وضع إقامتي
وأرتاح من القلق والمعاناة!
وقد طلب مني والدي الخلود إلى النوم في وقت مبكر من الليلة التي سبقت ذهابنا ، بحجة عدم معرفتنا بالمكان ويجب علينا الوصول مبكراً وما إلى ذلك، وقد أطعته وفعلت ما طلب.. فلم يكن في الفندق شيء مسلي يبقيني بعيدة عن النوم!
استيقظنا باكراً جداً (وأعني ذلك حرفياً) في صباح اليوم التالي، الظلام يعم المكان في الخارج ..
سرت مسرعة نحو السيارة لأجلس بها اتقاء البرد..
لا توجد سيارات كثيرة في هذا الوقت .. واحدة أو اثنتان !
أنظر إلى ساعة يدي .. ومن ثم إلى ساعة السيارة (للتأكد)
كانت تشير إلى السادسة صباحاً!!
أحدث نفسي " الله يسامحك يبه ، أحد يطلع هالحزة؟؟"
فالإدارات والمؤسسات تفتح غالباً في الساعة الثامنة صباحاً
ولكن والدي كان قلقاً وأراد الوصول بالوقت والانتهاء بسرعة من الإجراءات !!
كان قد تحدث هاتفياً مع صديقه الذي يقطن هو وعائلته في ديترويت ليسأله عن مكان إدارة الهجرة ..
فقال له صديقه "الذكي" " في ديترويت"!!
أمسكت بالخريطة حاولت قراءتها ومطالعة تفاصيلها ..
قام والدي بسحبها من يدي قبل أن أنتهي منها.. وبدأت رحلتنا إلى ديترويت..
كنت أحاول طوال الطريق التحدث .. والتحدث ..
لا لشيء ..سوى لطرد النعاس عنا !
سار والدي بحذر فهذه المرة الأولى التي يسير بها على طرق مغطاه بالثلج ولمسافة بعيدة ..
بدأت السماء تضيء قليلاً .. ليسطع شعاع الشمس بخجل خلف الأشجار العارية من الأوراق
طال الطريق بنا .. اقتربت الساعة من الثامنة ..
لا أثر لديترويت .. ولا إشارة تدل على أننا نسير على الطريق الصحيح!!
قمت بإلقاء نظرة على الخارطة .. نظرت إلى المناطق المكتوبة على اللافتات .. وبحثت عنها على الخريطة..
ماذا؟؟!!!!
غير معقول!!
لا يمكن!!
قمت بابتلاع ريقي بصعوبة .. حاولت التحدث ولم يخرج صوتي ..
وأخيراً ..
استطعت النطق بهذه الكلمات
"يبه.. شرايك نوقف نسأل؟ علشان ما نضيع وقت أكثر؟!"
"هه؟! يلا مو مشكلة الحين أشوف مكان أوقف فيه وأسأل"
وبعد دقائق وجدنا مكتب بريد صغير ..
نزل والدي ليسأل و يستفسر عن الطريق ، بينما انتظرته أنا في السيارة
رجع بعد دقائق وقد علا العبوس وجهه!!
"هاا ، بشر؟"
تنهد وقال" تدرين طريجنا كله غلط!!"
" صج؟!! شلون؟" << كنت متوقعه من شفت الخريطة :)
" المفروض نمشي بالعكس .. يعني الحين لازم نرجع الطريج هذا كله وعقب ندور لافته مكتوب عليها هالمنطقة (وأشار إلى ورقة بيده) وتالي نتبع اللافتات"
لقد كنا نسير طوال ذلك الوقت بالاتجاه المعاكس وبدل أن نتجه إلى الغرب ، توجهنا إلى الشرق!!
حاولت الانشغال عن التفكير بالطريق الطويل ..
توقف والدي عند استراحة وقمنا بتناول فطور سريع و احتساء القهوة ..
وأكملنا الطريق ..
وصلنا ديترويت .. ولكن لا نعرف أين يقع مبنى إدارة الهجرة .. وتفادياً لإرتكاب غلطة أخرى بالمضي في الطريق الخاطئ
قام والدي بالسؤال .. وتتبع الوصف .. ثم نضيع مرة أخرى!
ونسأل آخر ..وآخر ..وآخر..
كل شخص يخبرنا بطريق "غير"!!
نفذ صبر والدي .. الساعة تقترب من الواحدة ولم نصل بعد!!
توقفنا عند محطة وقود .. التفت والدي ليجد سيارة أجرة .. فذهب للتحدث مع صاحبها ..
وبعد دقائق رجع للسيارة وتحرك هاتفاً
"أوفف ما بغينا!"
"شنو يبه؟ دلك على الطريج؟"
" لا ! حاول يدليني بس قلتله شوف ودني اهناك وأنا أعطيك فلوس!!"
وكان هذا بالفعل ماحدث!! لقد قمنا باللحاق بسيارة الأجرة حتى أوصلتنا إلى المبنى في ظرف ربع ساعة!
وصلنا أخيراً!!
عند الدخول مررنا بنقطة تفتيش ، وجدوا بحقيبتي كاميرا فطلبوا مني تسليمها وأعطوني رقماً لإستلامها عندما أنتهي
دخلنا .. وأخذنا رقم وانتظرنا في الدور ..
هالني عدد العرب الذين أتوا بصحبة زوجاتهم الأمريكيات
همس لي والدي " هذول يبون الجنسية الأمريكية"
أومأت بصمت .. خليط من البشر .. ألوان البشرة .. بيضاء .. صفراء.. سوداء..سمراء..وحمراء!!
جميع الأجناس .. جميع الناس هناك!
عم الهدوء والنظام المكان .. جلس بقربي رجل أسمر البشرة ذو ملامح مكسيكية
وجه إليّ الحديث قائلاً بالأسبانية
? Habla espanol?
"ابلا اسبنيول؟" ( تتكلمين أسباني؟)
رددت عليه
le siento, no hablo espanol senor!!
"لو سينتو نو ابلو اسبنيول سينيور" ( متأسفة لآ اتحدث الأسبانية سيدي)
نظر إليّ باستغراب واستنكار ثم أشاح بوجهه بعيداً مهمهاً بكلمات غير مفهومة!!
ضحك والدي" شكله سبج الحين ههه"
أنا: " ليش يسبني؟؟ شسويتله؟!!"
"يسألج الريال تتكلمين اسباني تقولين له لا؟!!"
"اي والله ما اعرف اتكلم اسباني ليش اوهق عمري؟!"
" واللي ما يعرف يرد عليه بالاسباني يقوله ما اعرف؟"
انا @@ !!
"هههههههه و أنا شدراني يبه .. اهي جم جملة حافظتها واستغليت الفرصة في احد كلمني اسباني قلت أرد عليه!! لوووول"
جاء دورنا .. انتهت الإجراءات بسهولة ويسر .. وتم تعديل وضعي القانوني :)
خرجنا متنهدين براحة .. وطبعاً كان لابد لنا مع هالبرد والضياع منذ الصباح أن نشعر بالجوع ..
فذهبنا لندلل أنفسنا قليلاً ونتمتع بوجبة رائعة في إحدى المطاعم الشهيرة هناك!
قام والدي بالاتصال بصديقه .. وأخبره بما حدث معنا ..
طلب صديق والدي منا زيارته كوننا قريبون من المكان ولازال الوقت باكراً على العودة
والدي: " انزين انتوا وين ساكنين أي صوب في ديترويت؟"
صديق والدي: " في ديربورن .. أول ما توصل الشارع اللي فيه لافتات عربية .. كمله كله سيدا لين تلاقي مطعم اسمه بلاد الأرز .. أخذ اول لفة بعده على اليمين وكمل الشارع كله سيدا لين يلف فيك وتلاقي المبنى مالنا على ايدينك اليمين"
والدي: يلا خير شوي ونمركم
أكملنا الطريق .. نبحث عن "ديربورن" .. ولتفادي أخطاء سابقة .. قمنا بالسؤال
فأجابنا الشخص " أنتم في ديربون بالفعل!! أين في ديربون تريدون؟"
لم يكن يعرف والدي العنوان .. وصديقه "أفحمنا بالوصف"!!
لم نكن حينها نملك هاتف نقال .. فكنا نقف عند محطات الوقود أو الأسواق المركزية لنتصل ونسأل!
وقفنا عند احدى أشهر محلات السوبرماركت في أمريكا .. وقام والدي بالاتصال بصديقه وأخبره عن مكاننا ..
فقال له " بس وصلت خير!! انطرني الحين أمركم أخذكم"!!
وانتظرنا .. طال الانتظار .. شارفت الشمس على المغيب ..
توتر والدي وكاد أن يفقد أعصابه !!
" الله يهداه وينه هذا!! صارلي ساعه مكلمه!!" (وكمل تحلطم وذم في الريال)!!
لأنتفض في مكاني فجأة .. وأسأل والدي
" يبه؟ انت الحين قاعد تتحلطم على الريال وحالتك حاله .. اشدراك انك انت بالمكان الصح؟ في مليون جمعية مثل هذي بأمريكا؟!"
" هه؟!! لا تقولين!"
"والله صج يمكن احنا واقفين بمنطقة ثانية؟!"
أخذ والدي يفكر بجدية .. كانت تقف بجانبنا شاحنة كبيرة .. يقوم صاحبها بتنظيفها ..
" شوفي .. أنا راح أقرب من هالريال .. نزلي سأليه وين احنا؟"
قلت في نفسي " يا سلام سلم!!"
" مابي يبه .. انت انزل سأله!"
" قومي وقم قام! وين اللي بتعتمد على نفسها!"
أخذت بالتحلطم .. والهمهمة .. ورضخت وذهبت لسؤاله وهنا الصدمة!!
لقد كنت على حق! فلم نكن في المنطقة الصحيحة وانما بمنطقة أخرى!
وقام سائق الشاحنة مشكوراً بشرح الطريق لنا خصوصاً عندما عرف بأننا نريد شارع به لافتات عربية فقد كان يدعى ب warren street وكان وصفه سليماً فوصلنا بعد معاناة إلى المكان المنشود!
عند الوصول تذكرت أمراً هاماً
"الكاميرا!!!"
" اشفيها؟؟"
" يبه .. نسينا الكاميرا ما خذيناها!!"
تكدر والدي ونزلنا وكان باستقبالنا صديقه وزوجته وأولاده .. رحبوا بنا و حكى لهم والدي بقصة الكاميرا .. فقال صديقه بأنه سيقوم في الغد بإحضارها من هناك..
عدنا بعد ذلك إلى فندقنا الصغير هناك .. وقد أرهقنا التعب من بعد عناء يوم طويل لا ينسى!!
يتبع ..
******************
ملاحظة: لم نجد كاميرتنا فقد تمت مصادرتها وضاعت منا :(
حدثت هذه الأحداث قبل وجود "الرائع" مستر جي بي اس :)