من مذكرات كويتية مغتربة .. تابع "ما قبل الغربة" .. (2)

تم إعلان قبولي في البعثات لدراسة الهندسة في الولايات المتحدة الأمريكية، دموع والدتي لم تتوقف للحظة! لم تحب فكرة سفري للخارج أو حتى الابتعاد عن ناظريها. لم أعبأ بتوسلاتها، ليس لقسوتي أو لعدم حبي لها بالطبع! فأنا أحب أمي كثيراً وأحزنني حالها ولكني لم أرد أن أترك كل شيء الآن وقد تحقق لتوه أول أحلامي!

تمسكت برأيي واتخذت قرار سفري ، وخوفاً من أن يتراجع والدايّ ويمنعاني من السفر، قمت حالما انتهى الفصل الدراسي الصيفي من الذهاب للجامعة وسحب أوراقي منها!

جن جنون والدتي.. بكت..صرخت.. هددت وتوعدت.. وأخيراً استسلمت! ولم يكن استسلامها نهائي فقد توسلت إليّ كثيراً بالرجوع للجامعة

أمي: " يمه يا حبيبتي لا تخربين على عمرج ولا تضيعين مستقبلج بايدج! انتي توج ما يبتي "التوفل" يعني للحين مصيرج مجهول سمعي كلامي الله يرضى لي عليج!"

أنا بتملل:" يمه خلاص سحبت أوراقي ما أقدر أرد للجامعة حتى لو أبي!"

لم أكن أعلم أن أمي قد خططت ورتبت كل شيء قبل محادثتي، فقد قالت بسرعة

أمي:" انتي خلي كل شيء عليّ.. أنا كلمت وحدة من رفيجاتي إختها تشتغل بعمادة القبول وقالت لي عادي تقدر ترجعج مدام توج ساحبة الأوراق وما صار لج مدة.. انتي طيعيني حبيبتي خليني أروح أرجعج للجامعة ومتى ما يبتي التوفل طلعي منها! وما تدرين يمكن إذا خذيتي مواد يعادلونها لج اهناك لي رحتي!"

أنا: " بس يمه...."

نظرت إلى والدتي ولن أخفي عليكم فقد أشفقت عليها ووافقت على مضض بالعودة إلى "البيلوجية" وكان شرطي أنه وبمجرد حصولي على التوفل سأترك الدراسة فيها!"

وعدتني أمي بتحقيق رغبتي تلك فاطمأنيت نوعاً ما!

مضت الأيام .. وقمت بتقديم اختبار التوفل ولكن، كان عليّ الانتظار لشهر أو أكثر لوصول النتيجة! عشت أياماً صعبة .. بدأت الدراسة في كلية "الهموم" (كما أسماها بعض المدونين) .. ولم أعبأ كثيراً بالتركيز أو الحضور ! ولن أنكر استمتاعي بحضور الندوات واللقاءات التي تقيمها القوائم المختلفة قبل الانتخابات الجامعية.. فقد كنت أشجع قائمة منهم .. وقد قمت بالتصويت لهم طوال العامين المنصرمين ولكن مع الأسف لم يحالفهم الحظ ولم يفوزوا!

فتيات القائمة كن سعيدات بعودتي، فقد كسبوا صوتاً آخر و كنت بدوري سعيدة لكوني قادرة على التصويت لهم ..للمرة الأخيرة!

جاء اليوم الموعود..

حشود طلابية .. تحولت الكلية إلى خلية نحل لا تجد بها شخصاً ساكناً .. ولم أسكن أنا أيضاً!!

فقد رحت أوزع "البروشورات" .. وأحث الفتيات على التصويت للقائمة حتى حان دوري للتصويت..

دخلت القاعة .. سألتني الموظفة عن رقمي الجامعي ، أعطيتها اياه ..

بحثت بين الكشوف .. مرة .. مرتين .. ثلاث ..

الموظفة: "آسفة .. هل أنتي متأكدة بأنك طالبة هنا؟"

أنا وقد تملكني الذهول من سؤالها: " بكل تأكيد!!"

بحثت مرة "عاشرة" .. سألت الموظفات الأخريات ..

جائتني مسؤولتهم "ربما" أعادت سؤالي عن رقمي الجامعي .. وتكررت عملية البحث

ثم سألتني

المسؤولة: " هل أنتي طالبة جديدة؟"

قلت لها باستنكار:" كلا بالطبع! فهذه سنتي الثالثة!"

قامت باتصال سريع ثم عادت مرة أخرى

المسؤولة:" تبين لدينا بأنك قمت بالانسحاب من الجامعة ومن ثم عدتي بعد ذلك ولكن للأسف فإن اسمك قد شطب من القائمة و سيستغرق إعادته بعض الوقت .. لذا فليس بإمكانك التصويت!"

ذهلت و أصبت بخيبة أمل .. خرجت وصديقاتي ينتظرنني ويتساءلن عن سبب تأخري في الداخل فأخبرتهن بما حدث وانهيت قصتي قائلة

أنا: " شوفوا .. اذا نجحتوا في الانتخابات هالمرة فعرفوا اني أنا السبب!! واني كنت نحس عليكم بالسنين اللي طافت!"

ضحكن جميعهن وشاركتهن الضحك .. وكانت المفاجأة فوز القائمة باكتساح!!!

"يعني بالأخير طلعت أنا اللي كنت مقبسة عليهم ومن لغوا اسمي من الكشوفات راح النحس عنهم!!"

استمريت بالحضور إلى الجامعة أحياناً .. وأتغيب عنها أحياناً أخرى.. كنت أتابع نتيجة الاختبار مع "أميديست" وفي كل مرة أتصل يخبروني بأنهم لم يتلقوا النتيجة بعد!

مضى أكثر من شهر .. وأنا أشعر بالخوف .. ماذا لو لم أحقق النتيجة المطلوبة؟ سيتعين عليّ تقديم اختبار آخر.. والانتظار المرير للنتيجة مرة أخرى!

كرهت تفكيري ذاك.. وأصبحت أدعوا الله أن أنجح وأجتاز الاختبار ..

وأتى يوم استلام النتيجة

ذهبت برفقة والدتي إلى مقر "إميديست" الجديد في السالمية..

استقبلنا الموظف .. سألناه عن النتيجة ..

أعطيته اسمي .. مضى للحظات ثم عاد وبيده مظروف أنيق..

سلمني اياه فنظرت إلى والدتي .. لقد كانت أشد توتر مني!!

أمي:" يلا اشناطره؟؟ بطليه؟!!"

أخذت نفساً عميقاً .. سميت باسم الله .. وفتحت الظرف!

نظرت إليه ..

أصابتني الدهشة ..

"تنحت" قليلاً

خافت أمي ونظرت إلي .. صرخت "هاا بشري؟؟!!"

قفزت من صرختها!

نظرت إليها وقلت لها بهدوء

"نجحت! يبت التوفل .. يبته!"

أمي: " جذابة! (كاذبة)!!"

استوعبت بأني فعلاً نجحت فابتسمت ابتسامة بلهاء تحولت إلى ضحكة حقيقية

yes.. yes.. yes!!!

يبت التوفل!

نجحت .. هياااااااااااااااااا

وعدت أدراجي إلى البيت لأبشر والدي و لتبدأ رحلة الاستعداد وشد الرحال إلى أمريكا!

***************************

وهكذا أعزائي .. لقد تحقق حلم آخر من "أحلام فتاة كويتية" .. إلى أن ألقاكم على خير .. مع ذكرى أخرى .. وحلم آخر تحقق..

دمتم بود :)